فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ في الكِتَابِ} الآية: لا تجاوروا أرباب الوحشة فإن ظلماتِ أنفسِهم تتعدى إلى قلوبكم عند استنشاقكم ما يَرُدُّون من أنفاسهم، فمن كان بوصفٍ ما متحققًا شاركه حاضروه فيه؛ فجليسُ مَنْ هو في أُنْسٍ مستأنِسِ، وجليسُ من هو في ظلمةٍ مستوحِش.
ويقال هجرانُ أعداء الحقِّ فرضٌ، ومخالفة الأضداد ومفارقتهم دين، والركون إلى أصحاب الغفلة قَرْعُ بابِ الفرقة.
قوله: {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ}: أوضحُ برهانٍ على سريرة (.....) صحبة من يقارنه وعِشْرة مَنْ يخادنه؛ فالشكل مقيد بشكله، والفرعُ منتشِرٌ عن أصله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قرأ الجماعة: {نُزِّل} مبنيًا للمفعول، وعاصم ويعقوب قَرَآه {نَزَّلَ} مبنيًا للفاعِل، وأبو حَيْوة وحُميد: {نَزَل} مخففًا مَبْنيًا للفاعِل، والنخعي: {أُنْزِل} بالهَمْزَة مبنيًا للمفعُول.
والقائمُ مقامَ الفاعِل في قراءة الجَمَاعة والنَّخعي، هو أنْ وما في حيِّزها، أي: وقد نَزَّل عليْكُم المَنْعَ من مُجَالستِهِم عند سَماعِكم الكُفْر بالآيَات، والاسْتِهْزَاء بها.
وأمّا في قراءة عاصمٍ: فأنْ مع ما بعدها في مَحَلِّ نصبٍ مفعولًا به بـ {نزَّل}، والفاعل ضميرُ الله تعالى كما تقدَّم.
وأما في قِرَاءة أبي حَيْوة وحمَيد: فمحَلُّها رفعٌ بالفاعِليّة لـ {نزل} مخففًا، فمحَلُّها: إمّا نَصْب على قِرَاءة عَاصِمٍ، أو رَفْع على قِراءة غيره، ولكن الرَّفْع مختلف.
قوله: {أنْ إذَا} أن هذه هي المُخَفَّفةُ من الثَّقيلة، واسمُهَا: ضِمِير الأمْر والشَّأن، أي: أنَّ الأمْر والشأن إذا سَمعْتُم الكُفْر والاسْتهْزَاء، فلا تَقْعُدُوا.
قال أبو حيان: وما قَدَّره أبو البقاء من قوله: أنَّكُم إذا سَمِعْتُم ليس بجَيِّد، لأن أن المخففة لا تَعْمَل إلاَّ في ضِمِير الشَّأن، إلا في ضرورةٍ؛ كقوله: [الطويل]
فَلَوْ أنْكِ فِي يَوْمِ الرَّخَاءِ سألْتِني ** طَلاَقَكِ لَمْ أبْخَلْ وَأنْتِ صَدِيق

قال شهاب الدين: هكذا قال، ولم أره أنا في إعراب أبِي البَقَاءِ إلا أنَّه بالهَاءِ دون الكَافِ والمَيم، والجملةُ الشَّرْطِية المُنْعَقدةُ من إذا وجوابها في مَحَلِّ رَفْع، خَبَرًا لأنْ، ومن مَجِيء الجُمْلة الشرطيَّة خبرًا لأنْ المُخَفَّفَة: قوله: [الكامل]
فَعَلِمْتُ أنْ مَا تَتَّقُوهُ فَإنَّهُ ** جَزْرٌ لِخَامِعَةٍ وفَرْخ عُقَابِ

فمَا شَرْطيةٌ، وفإنه جَوابُها، والجُمْلَةُ خبرٌ لأنْ المخفَّفَةِ.
قوله: {يُكَفَرُ بِهَا} في محلِّ نَصْب على الحَالِ من الآيات، و{بها} في محلِّ رفع؛ لقيامِه مقامَ الفاعلِ، وكذلِك في قوله: {يُسْتَهْزَأُ بِهَا} والأصل: يكفر بها أحدٌ، فلمَّا حُذِف الفاعلُ، قام الجارُّ والمَجْرُورُ مقامَه، ولذلك رُوعِي هذا الفَاعِلُ المَحْذُوف، فعاد عليه الضَّمِيرُ من قوله: {مَعَهُمْ حتى يخوضوا} كأنه قِيل: إذا سَمِعْتُم آياتِ الله يَكْفرُ بها المُشْرِكُون، ويَسْتَهزِئُ بها المُنَافِقُون، فلا تَقْعدوا مَعَهُم حتى يخُوضُوا في حَديثٍ غيره، أي: غير حَدِيث الكُفْر والاستهزاء، فعاد الضَّمير في {غيره} على ما دَلَّ عليه المَعْنَى.
وقيل: الضَّمير في {غيره} يجُوزُ أنْ يعودَ على الكُفْر والاستِهْزَاء المفهُومَيْن من قوله: {يُكَفَر بِهَا} و{وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا}، وإنما أفْرَد الضَّمِير وإن كان المُرَاد به شَيْئين؛ لأحد أمرين:
إمَّا لأنَّ الكُفر والاستِهْزَاء شيءٌ واحدٌ في المعْنَى:
وإمَّا لإجراءِ الضَّميرِ مُجْرى اسم الإشَارةِ، نحو: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68].
وقوله: [الرجز]
كَأنَّهُ فِي الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَق

وقد تقدَّم تَحْقِيقُه في البقرة، و{حتى}: غايةٌ للنَّهْي، والمعنى: أنه يجُوز مُجَالستهم عند خَوْضِهم في غير الكُفْر والاستِهْزَاء.
قال الضَّحاك: عن ابن عبَّاسٍ: دخل في هذه الآية كل مُحْدِث في الدِّين، وكل مُبْتَدِع إلى يَوْم القِيَامَةِ.
قوله: {إنكم إذًا مثلهم} {إذًا} هنا: مُلغَاةٌ؛ لوقوعها بين مُبْتَدأ وخبر، والجمهور على رفعِ اللام في {مثلُهم} على خَبَرِ الابتداء، وقرئ شاذًا بفتحها، وفيها تَخْريجَان:
أحدهما:- وهو قولُ البصْريِّين- أنه خبر أيضًا، وإنما فُتِح لإضافته إلى غير مُتَمَكِّن؛ كقوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 23] بفتح اللاَّم، وقول الفرَزْدَق: [البسيط]
وإذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ

في أحدِ الأوجه.
والثَّاني:- وهو قولُ الكُوفيِّين- إن مِثْل يَجُوز نصبها على المَحَلِّ، أي: الظرف، ويُجيزُون: زيد مِثْلَك بالنَّصب على المحلِّ أي: زيدٌ في مثل حالك، وأفرد مثل هُنَا، وإن أخْبَرَ به عن جَمْع ولم يُطابق به كما طابق ما قبله في قوله: {ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم} [محمد: 38]، وقوله: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ} [الواقعة: 22، 23].
قال أبُو البقاء وغيره: لأنه قصد به هُنَا المصدر، فوحَّد كما وحَّد في قوله: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47].
وتحرير المَعْنَى: أن التقدير: إنَّ عصيانكم مثل عصيانهم، إلا أنَّ تقدير المصدريّة في قوله: {لِبَشَريْنِ مِثْلِنَا} قلق. اهـ. بتصرف يسير.

.تفسير الآية رقم (141):

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

وصفهم سبحانه وتعالى بما يعرف بهم فقال: {الذين يتربصون بكم} أي يثبتون على حالهم انتظارًا لوقوع ما يغيظكم {فإن كان لكم فتح} أي ظهور وعز وظفر، وقال: {من الله} أي الذي له العظمة كلها- تذكيرًا للمؤمنين بما يديم اعتمادهم عليه وافتقارهم إليه {قالوا} أي الذين آمنوا نفاقًا لكم أيها المؤمنون {ألم نكن معكم} أي ظاهرًا بأبداننا بما تسمعون من أقوالنا فأشركونا في فتحكم {وإن كان للكافرين} أي المجاهرين، وقال: {نصيب} تحقيرًا لظفرهم وأنه لا يضر بما حصل للمؤمنين من الفتح {قالوا} للكافرين ليشركوهم في نصيبهم {ألم نستحوذ عليكم} أي نطلب حياطتكم والمحافظة على مودتكم حتى غلبنا على جميع أسراركم واستولينا عليها، وخالطناكم مخالطة الدم للبدن، من قولهم: حاذه، أي حاطه وحافظ عليه {ونمنعكم من المؤمنين} أي من تسلطهم عليكم بما كنا نخادعهم به، ونشيع فيهم من الإرجافات والأمور المرغبات الصارفة لهم عن كثير من المقاصد، لتصديقهم لنا لأظهارنا الإيمان، ورضانا من مداهنة من نكره بما لا يرضاه إنسان.
ولما كان هذا لأهل الله سبحانه وتعالى أمرًا غائظًا مقلقًا موجعًا؛ سبب عنه قوله: {فالله} أي بما له من جميع صفات العظمة {يحكم بينكم} أي أيها المؤمنون والكافرون المساترون والمجاهرون.
ولما كان الحكم في الدارين بين أنه في الدار التي لا يظهر فيها لأحد غيره أمر ظاهرًا ولا باطنًا، وتظهر فيها جميع المخبئات فقال: {يوم القيامة} ولما كان هذا ربما أيأسهم من الدنيا قال: {ولن يجعل الله} عبر بأداة التأكيد وبالاسم الأعظم لاستبعاد الغلبة على الكفرة لما لهم في ذلك الزمان من القوة والكثرة {للكافرين} أي سواء كانوا مساترين أو مجاهرين {على المؤمنين} أي كلهم {سبيلًا} أي بوجه في دنيا ولا آخرة، وهذا تسفيه لآرائهم واستخفاف بعقولهم فكأنه يقول: يا أيها المتربصون بأحباب الله الدوائر، المتمنون لأعدائه النصر- وقد قامت الأدلة على أن العزة جميعًا لله-! ما أضلكم في ظنكم أنه يخذل أولياءه! وما أغلظ أكبادكم! ويدخل في عمومها أنه لا يقتل مسلم بذمي، ولا يملك كافر مال مسلم قهرًا؛ ثم بين أن صورتهم في ضربهم الشقة بالوجهين صورة المخادع، وما أضلهم حيث خادعوا من لا يجوز عليه الخداع لعلمه بالخافيا، فقال معللًا لمنعهم السبيل. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {الذين يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ} إما بدل من الذين يتخذون، وإما صفة للمنافقين، وإما نصب على الذم، وقوله: {يَتَرَبَّصُونَ} أي ينتظرون ما يحدث من خير أو شر، فإن كان لكم فتح أي ظهور على اليهود قالوا للمؤمنين ألم نكن معكم، أي فأعطونا قسمًا من الغنيمة، وإن كان للكافرين يعني اليهود نصيب، أي ظفر على المسلمين قالوا ألم نستحوذ عليكم، يقال: استحوذ على فلان، أي غلب عليه وفي تفسير هذه الآية وجهان: الأول: أن يكون بمعنى ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم ثم لم نفعل شيئًا من ذلك ونمنعكم من المسلمين بأن ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبهم وتوانينا في مظاهرتهم عليكم فهاتوا لنا نصيبًا مما أصبتم.
الثاني: أن يكون المعنى أن أولئك الكفار واليهود كانوا قد هموا بالدخول في الإسلام، ثم إن المنافقين حذروهم عن ذلك وبالغوا في تنفيرهم عنه وأطعموهم أنه سيضعف أمر محمد وسيقوى أمركم، فإذا اتفقت لهم صولة على المسلمين قال المنافقون: ألسنا غلبنانكم على رأيكم في الدخول في الإسلام ومنعناكم منه وقلنا لكم بأنه سيضعف أمره ويقوى أمركم، فلما شاهدتم صدق قولنا فادفعوا إلينا نصيبًا مما وجدتم.
والحاصل أن المنافقين يمنون على الكافرين بأنا نحن الذين أرشدناكم إلى هذه المصالح، فادفعوا إلينا نصيبًا مما وجدتم.
فإن قيل: لم سمي ظفر المسلمين فتحًا وظفر الكفار نصيبًا؟
قلنا: تعظيمًا لشأن المؤمنين واحتقارًا لحظ الكافرين، لأن ظفر المؤمنين أمر عظيم تفتح له أبواب السماء حتى تنزل الملائكة بالفتح على أولياء الله، وأما ظفر الكافرين فما هو إلا حظ دنيء ينقضي ولا يبقى منه إلا الذم في الدنيا والعقوبة في العاقبة. اهـ.

.قال الألوسي:

والخطاب في قوله تعالى: {الذين يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ} للمؤمنين الصادقين بلا خلاف، والموصول إما بدل من {الذين يَتَّخِذُونَ} [النساء: 139] أو صفة للمنافقين فقط إذ هم المتربصون دون الكافرين.
وجوز أبو البقاء وغيره كونه صفة لهما أو مرفوع أو منصوب على الذم، وجعله مبتدأ خبره الجملة شرطية لا يخلو من تكلف، والتربص الانتظار، والظاهر من كلام البعض أن مفعوله مقدر والجار والمجرور متعلق به أي ينتظرون وقوع أمر بكم وكلام الراغب يقتضي أنه يتعدى بالباء لأنه من انتظر بالسلعة غلاء السعر، والفاء في قوله تعالى: {فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ الله} لترتيب مضمونه على ما قبلها فإن حكاية تربصهم مستتبعة لحكاية ما يقع بعد ذلك أي فإن اتفق لكم فتح وظفر على الأعداء {قَالُواْ} أي لكم {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} نجاهد عدوكم فأعطونا نصيبًا من الغنيمة {وَإِن كَانَ للكافرين نَصِيبٌ} أي حظ من الحرب، فإنها سجال {قَالُواْ} أي المنافقون للكفار {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} أي ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم، أو ألم نغلبكم بالتفضل ونطلعكم على أسرار محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونكتب إليكم بأخبارهم حتى غلبتم عليهم {وَنَمْنَعْكُمْ مّنَ المؤمنين} أي ندفع عنكم صولة المؤمنين بتخذيلنا إياهم وتثبيطنا لهم وتوانينا في مظاهرتهم وإلقائنا عليهم ما ضعفت به قلوبهم عن قتالكم فاعرفوا لنا هذا الحق عليكم وهاتوا نصيبنا مما أصبتم.
وقيل: المعنى ألم نغلبكم على رأيكم بالموالاة لكم ونمنعكم من الدخول في جملة المؤمنين وهو خلاف الظاهر، وأصل الاستحواذ الاستيلاء، وكان القياس فيه استحاذ يستحيذ استحاذة بالقلب لكن صحت فيه الواو وكثر ذلك فيه، وفي نظائر له حتى ألحق بالمقيس وعُدّ فصيحًا، وقال أبو زيد: إنه قياسي، وعلى كل حال لا يرد على فصاحة القرآن كما حقق في موضعه.
وقرئ {وَنَمْنَعْكُمْ} بالنصب بإضمار أن، والتقدير لم يكن منا الاستحواذ والمنع كقولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، سمي ظفر المسلمين فتحًا وما للكافرين نصيبًا لتعظيم شأن المسلمين وتخسيس حظ الكافرين، وقيل: سمي الأول فتحًا إشارة إلى أنه من مداخل فتح دار الإسلام بخلاف ما للكافرين فإنه لا فتح لهم في استيلائهم بل سينطفئ ضياء ما نالوا. اهـ.